الخميس، 1 نوفمبر 2012

أثر الفراشة - قصة قصيرة -







الموظف في وزارة الداخلية "عبد الرحيم " مصاب بمرض عصبي غامض ليس بالخطير رغم ذلك لم يجدوا له أي مثيل في الارشيف وجميع الكتب الطبية لم يجدوا له أي تصنيف في المستشفى الجامعي بسوسة "فرحات حشاد"
الأستاذ في علم الأعصاب "البروفيسور السرياطي" أطلق على الحالة ، "متلازمة عبد الرحيم" .
عبد الرحيم هو شخص نحيف أسمر ذو ملامح موريتانية قوية وحضور فكاهي تقليدي ، يجمع مجامع الكلم في حسانية الأجداد ذات الطابع نصف الغامض والأسلوب الرصين المنتظم على نسق السيمفونيات الكلاسيكية ، وهو خريج معهد مهني في تخصص النجارة دخل الوزارة مع دخول قريب له على قمتها، إنها الطرق المعهودة للإكتتاب في أي وزارة كما يعلم الجميع ، ليس شخصا سيئا بالمرة بل هو جاد وحاد الذكاء ذا خبرة فطرية في الديكور وتنظيم الأشياء ، ساعده ذكاءه وتطوره وأخلاقه الاجتماعية المثالية مع الجميع في التسلق سريعا إلى عامل مقرب في مكتب مساعد الوزير للشئون الأمنية "أعمر ولد أبوه"  .

المرض الغامض والعمل فرضا عليه ظروفا خاصة من العقاقير المنومة لتفادي الأرق ، فكلما تجاوز عبد الرحيم منتصف الليل أصيب بنوبات اغماء مما يكلفه رقابة طبية ليومين على الأقل يترك فيهما العمل ، الجميع يعرف طبيعته ولذلك فهو يقوم بالأعمال المكتبية ذات الطبيعة الثابتة كالأرشفة، وفي المكتب مجموعة من العمال بعضهم ذا حس ومظهر أمني وبعضهم دخل لأسباب أخرى كحامد .

حامد ، الضابط السابق ، لم يتقاعد فلا زال دون سن الأربعين لكن تحولا طارئا حصل في حياته المهنية نقله إلى سلك الشرطة فهو مهندس معلوماتية متميز اكتُتِب كضابط في الشرطة إبان ضبط الحالة المدنية وظل بعد انتهاء الإحصاء يعمل كضابط شرطة وهو مالم يتدرب عليه يوما فتحول الى ضابط شرطة سيء المهارة لا يحسن التعامل مع القضايا الطارئة تم فيما بعد تحويله إلى مكتب مساعد الوزير على قسم الكمبيوتر ، واعتبر نفسه أخيرا ظفر بالراحة والبعد عن ذلك الجهاز الكريه بالنسبة له وهو جهاز الشرطة .
حامد رجل عملاق بكرش كبيرة جعلته يحضر دوام العمل بالدراعة ـ دائما ـ ، بعينين جاحظتين رغم قطع الشحم البارزة أسفلهما، وشعر غير منتظم أسفل الأذنين مرورا بلحية على نفس النسق في شكل غريب ونادر تذكرك بلحية المغولي ، لاتوجد فيه أي ملامح موريتانية ولا يمكن أن تتخيل عنه ذلك حتى تحدثه ، حتى وهو يرتدي الدراعة يذكرك بالسياح الذين يريدون تجريب كل شيء في البلد من الدراعة واللثام مرورا بالأسفار على ظهور الجمال عابرين الصحراء الشاسعة ..
حامد يواكب الحضور يوميا في الوقت المناسب ويقوم بأعمال اعتيادية كرعاية البرامج ورقابتها وتطويرها ـ أحيانا ـ أو كمستشار في تطوير البرامج التي تعتمد عليها وزارة الداخلية بشكل عام ، وأحيانا يتناول الشاي مع المساعد ، أو يتصفح الجرائد ويحلل ما يحدث في خياله ، لديه عمل آخر وهو إيصال رسائل "مساعد الوزير" التي  لا يمكن قول فحواها في الهاتف ، كل شيء يمشي بروتين محكم شيئا ما .

"علي" مراهق بدأ يثور على سلطة البيت ويخرق القوانين الصارمة في عدم التأخر أو المبيت مع الأصدقاء وبعد صراع طويل وحرب كلامية و تعنيفية  شرسة من الأب تمكن أخيرا من تطويعهم على قانون الدخول والخروج الغير مشروط في الوقت المريح بالنسبة له ، تعودت والدته وضع العشاء في الركن الجنوب الشرقي من المطبخ .
"كمبه" فتاة زنجية عشرينية تتمتع بجمال "البولار" الأصيل قادمة من الريف رفقة أمها السيدة المطيعة التي نزحت من قرية ريفية بعد غزو حمى الإيبولا الذي أودى بحياة الزوج وثلاثة أبناء وفقر مدقع أنتزعها من تلك الجذور التي مضى على تسلسلها مئات السنين في النجع المتواصل وتنمية المواشي ، النازحون من الريف دائما يبحثون عن الحياة في نواكشوط ، حين قدمت بتلك الفتاة الصغيرة كمبة كانت لا تعرف كيف تستمر في الحياة ومع الزمن وتراكم المغامرات اكتشفت موهبة الصباغة وصارت إحدى أهم صباغات الثياب بأنواعه في مقاطعة لكصر وتحولت موهبتها إلى دخل يكفي قوت العائلة ، لكنها في الفترة الأخيرة أصيبت بقصور في القلب ،
 فيما شقت "كمبة" طريقها واعتمدت على نفسها –كعادة "الهالوبولار" - هي الأخرى واختارت العمل كخادمة منزلية في بيت عائلة "علي" ، وهي متزوجة من شاب كادح يدعى "السالك".

السالك شاب خفيف السمرة يعمل سائقا لشاحنة كبيرة وقديمة لنقل شحنات الأدوية لـ - الشركة الموريتانية للأدوية - ، و أثناء عودته عصر الخميس تعطلت الشاحنة العملاقة ـــ على ظهر الطريق ، حاول رفقة مساعده اصلاحها دون جدوى وفي حدود السادسة وصله اتصال من كمبة ،،، قرر مباشرة أن يدع الشاحنة تحت حراسة مساعده على أمل العودة العاشرة ليلا رفقة ميكانيكي .

الغوث ولد السيد ، وزير الصحة الفاسد وهو أحد الشخصيات ذات النفوذ منقطع النظير، فهو يمسك الكثير من الخيوط في عدة مناطق حساسة من صنع القرار في الدولة و أختار ـ بنفسه ـ وزارة الصحة كي لا يتعرض للمشاكل الكبيرة كنوع من التقاعد المريح والقرب من إدارة تجارته الآمنة في الأدوية – المزورة أحيانا – فأكبر شركات استيراد الأدوية هي - في الظاهر ملك- لعامله عليها "ورجل الأعمال الخليل "  وتدعى – الشركة الموريتانية للأدوية- .
كان "الخليل" على الطرف الآخر في فندق "ميتروبول" بمدينة شانغهاي يهز رجله بفارغ الصبر يعد الرنات قبل أن يفتح أمامه الوزير الخط ، كان فحوى الاتصال حول محاولة اقناع الوزير بقبول صفقة لحمولة من المضادات الحيوية الرخيصة – المزورة- بحجة أن ربحها يصل 1500% وان تأثيراتها العكسية ـ حسب الخبيرــ محدودة الخطورة ولا تصيب في الغالب إلا مرضى قصور القلب ..... وتمت الصفقة .

صباح يوم الأربعاء كان أعمر "مساعد وزير الداخلية" يخرج كل هنيهة ليسأل عن حامد ، وحين تأكد أنه  لن يأتي اليوم بسبب وعكة صحية جعلته حبيس الفراش كان الوقت  قد وصل بعد الظهر، صادف عبد الرحيم عند خروجه النهائي من المكتب ليظهر ابتسامة من وجد حلا للغز ما ، هنا عرف عبد الرحيم أنها مهمة وفعلا كانت كذلك فقد ناوله ظرفا يحوي رسالة تسلم عاجلا الى وزير الصحة في مكتبه اليوم أو غدا صباحا .
كان "أعمر" وهو أحد رجال "الغوث" في وزارة الداخلية يملك قصرا في مدينة أنواذيبو وهو قصر بمقاييس لهو خاصة جدا ، حيث تعود "الغوث قضاء عطلة نهاية الأسبوع عنده في جو مليء بالقمار والنساء ، حيث يجتمع العشرات من نخبة النخبة من أجانب وموريتانيين في أجواء تشبه مدينة الملاهي الأمريكية "لاس فيغاس" ، لكن هذه المرة بالذات هناك تغيير طرأ حيث كلف "الرئيس" أعمر بسفر عاجل مساء الأربعاء إلى المغرب .
كانت الرسالة تحوي مكان مفتاح القصر ، وصل عبد الرحيم وزارة الصحة لكن الوزير لم يكن هناك مما دعاه للتفكير تلقائيا في الاحتمال الثاني وهو العودة باكرا وتسليم الرسالة . 

على تمام السادسة والنصف من يوم الأربعاء تلقت "كمبة" اتصالا هاتفيا بينما كانت غارقة في تنظيف المطبخ تخبرها عن نقل أمها إلى الحالات المستعجلة بعد تراجع في الحالة الصحية العامة بسبب عقار مضاد حيوي مزور ــــ على مايبدو ــــ ، سقطت المكنسة من يدها وخرجت مهرولة فيما بقايا من الماء على الجانب الجنوبي الشرقي من المطبخ .

بعد منتصف الليل كان "علي" يتحسس الجانب المعتاد حيث يوضع له العشاء عادة فيما فوجئ بقطة تحاول الفرار ، ارعبه المشهد للدرجة التي فقد فيها التوازن فمر رجله على مكان زلق فسقط سقوطا حرا جعل ارتطامه بالبلاط قويا ، قفزت الوالدة مذعورة لتجد الولد مغشيا عليه والدماء تغطي مكانا معتبرا ، أطلقت صيحة الأم المفجوعة حتى التف حولها الجيران ومن بينهم "عبد الرحيم" الذي عاد مذعورا بسرعة إلى سيارته و اخذ العائلة بسرعة إلى المستشفى وبات الأرق رفيقه لليلة كاملة حتى أذن الفجر كان النوم يغزوه بدون موعد و لا رغبة منه فسقط على الكرسي . 

في الساعة الواحدة زوال يوم الخميس كانت سيارة وزير الصحة ذات الدفع الرباعي على الكيلومتر 51 من نواكشوط متجهة إلى أنواذيبو رفقة تكييف وأنغام هادئة من مقطوعات كلاسيكية تصيبه بالنعاس عادة .
في الساعة الخامسة كان الغضب يتملكه ووعود العقاب تصارع فكره فقد وجد القصر مغلقا لأول مرة منذ بداية برنامج الترفيه الآمن هذا ، وفي أجواء الشحن والغضب أصدر أوامره للسائق بالعودة مباشرة الى نواكشوط.

في الساعة السادسة من مساء الخميس كانت كمبة في حالة اضطراب كامل حين فتح "السالك" الخط كانت منهارة بالبكاء والنحيب فأعز شخص في حياتها قد غادر قبل دقائق ، أكتفت فقط بكلمة "لقد ماتت !" وانقطع الخط ، توقف السالك مباشرة من محاولة اصلاح شاحنته وعلى عجل جعل قصة العطل عذرا ليصل نواكشوط بسرعة ليكون بجانب زوجته وليعرف أساسا ماذا يحدث !
التاسعة ليلا من يوم الخميس كانت سيارة الدفع الرباعي تسير بسرعة خيالية يوبخ الوزير سائقها على البطء فيما كانت أصوات الارتطام تصم الآذان ، توقف الزمن قليلا قبل أن يكتشف الوزير لحظته قد حانت ، سيارته ارتطمت بالشاحنة الواقفة على الطريق دون إشارة ضوئية في ظلام دامس كان الوزير يتحسس وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة قطعا من الأدوية التي تدخل في شحنات صفقته الأخيرة . 

الكثير من وسائل الاعلام وضع عناوين من هذا القبيل "حادث مؤسف لوزير كبير" ، "موريتانيا تفقد ابنا بارا" ، "وزير الصحة إلى مثواه الأخير" .
شخصيا أختم هذا التحقيق بهذا العنوان " قطرة ماء على اسفلت مطبخ تقتل وزير الصحة" ، "دواء مزور يكون سببا في موت بائعه"

تحرير : "خ.س" ، من صحيفة "ت.ف"


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عام 2012 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

السبت، 29 سبتمبر 2012

سقوط الملك




لم يبقى حوله إلا الفارس شاهرا سيفه متقمصا شكل الواثق الذي تدرب جيدا عليه في جو مفعم بلغة العيون و الإيحاءات ، إن كان الفارس قد تدرب جيدا على تقمص الشخصيات الواثقة المتفائلة في أسوء الظروف فهو أيضا تعود مع مرور الزمن على لغة الإيحاءات ، لقد قرأ في عيون الملك الآتي :
" لم يبق من قواتنا إلا كتيبة الفرسان اليمنى وليس لديها إلا خطا مناورة فيما الخناق يزداد حدة عليه ، قوات الوزير تقترب من اليمين والفيلة التي ترصد الرقع السوداء تراقب الرقعة اليسرى القريبة ، فيما يحرس الفارس الرقعة البيضاء الواقعة يساري .
في السابق كان صف الجنود الأول يلقي ترنيمة العزة المعتادة التي تحوي تمجيدي ومنعتي ، كم كان منظرا رائعا ومشبعا بالسلطة والقوة والسمو ، لا أشبع منه أبدا !
كان لدي كتيبتا فيلة مهيبتين رائعتين موزعتين بتخصص يشعرني بذكائي المميز إلى رقعتين سوداء و بيضاء تحرسان أربعة كتائب من الجنود التي تحرس عظمتي ........ "
هكذا كانت عيون الملك الممتلئة بالحسرة والرعب .
لم يكن الفارس يملك الوقت الكافي لقراءة عيون الملك حتى النهاية فأمامه أربع مناورات حتمية تفضي إلى نتيجتين حتميتين : إما أن يموت أو يموت الملك قبله ، وحين تكون الخيارات حتمية فإن أصعبها وأكثرها إيلاما هو البقاء قيد الحياة كما هو واجبه ، وهو أن يناور غير بعيد في نقاط محدودة إلى آخر لحظة .
  تنهد في مقاومة شرسة لليأس " ما أصعب هذا !"
هكذا الملك في اللحظات الأخيرة ، تذكر بالأمس القريب آخر تقرير ينبئ بضرورة تقليل قوات الحراسة الشخصية التي تعطل كتيبة الفيلة وكتيبتي الفرسان وثلاث كتائب من الجنود ، رغم أن الجميع أقنعه بضرورة المناورة بهم او حراسة الاماكن اللوجستية الهامة للملكة لكنه كان يرد مزمجرا في غضب :
" لن أفعل فأعدائي كثر والناس يكرهونني لأنهم أغبياء وحاسدون حقيرون ، لم يكرهوا أبي لأنه كان غبيا مثلهم ، كان يجالس الحداد والجندي ويحط من منزلته ولم يهتم بأمر الحراسة حتى زاره سهم من هؤلاء الهمج ...... او احد الغزاة ، أما انا فلن أتخلى عن حرسي الشخصي لأن الغزاة يقومون بهذه الغارات كل عام ليستحوذوا على مزارع سخيفة ويعودون تحت خوفا من الصقيع الذي يحولهم إلى جيف كالدجاج المريض  ، انا لا أخاف علي من الغزاة ، أنا لا اخاف من غدر هؤلاء الرعاع الهمج لأن بعضهم لم يعرف مكانته الحقيقية أو مكانتي بالنسبة له "
لكنها لم تكن لأجل المزارع هذا العام ، وحتى الغزاة لم يكونوا نفس الغزاة كل عام لقد ضربوا حرسه الشخصي في لحظة سكر فيما كانت كتيبة يقودها الوزير تعمل المستحيل لاختراق صفوف الغزاة غير آبهة بتنظيم الجبهات الداخلية لأنها سلطة الوزير هناك تشبه سلطة المهرج ، لقد قرر أخيرا أن لا يقودها أحد وأن يستمر في المناورة حتى يجد ثغرة في الرقعة الواسعة فيختار بلدا آخر يقدر عظمته ، تلقى الكثير من رسائل الاستعطاف والتهديد من الملك لكنه قد قرر سلفا أن لا عودة ، هناك يتقلب الملك المدلل على الجمر غضبا أن وزيره عصى أمره للمرة الأولى فقرر الإيقاع به ودس شخصا في كتيبة فرسان الغزاة الثانية كدليل إلى حيث يوجد الوزير ، ولم يبقى للوزير المسكين إلا لحظات يقظة على فزع يندب فيها السنين التي كان فيها وفيا لملك سيء وفاسد .
كانت تقارير أخرى توقظ الملك من خمرته وسهراته الحمراء فيرمي قناني الخمر على النذير ويأمر بقتله فلا أحد يفسد حفلة الملك كي يخبره بمقتل جميع أفراد جنود المشاة والحرس الشخصي من الفيلة وسقوط القلاع ، كان يصيح بهستيرية وخوف هناك الفرسان والشتاء لكن الوقت كان قد انتهى ، افاق من سكره للمرة الأخيرة على رماح قلاع العدو التي تصل مد البصر وعلى فيلة العدو التي تحرس الرقعة السوداء الى اليسار وفرسان العدو تكمن في الرقعة البيضاء الى اليسار فيما تم احتلال الرقع الأخرى من قبل الوزير .
في حياة بعض الملوك ينقسم الزمن إلى مرحلتين متعادلتين تعكسان نفس العمق ، الأولى : عمر من السطوة الغير محدودة والعنجهية والقوة التي تشعره بخلودها وعالمه اللانهائي في عقله ،و الثانية : لحظة السقوط حين يتلاشى كل شيء وتختفي كل الفرص إلى الأبد.



ــــــــــــــــــــــــــ عام 2012 ــــــــــــ

الثلاثاء، 22 مايو 2012

بائعة الليل

-->


في الليلة التي صادفت طلوع البدر في ابهى حلله كانت تتعثر في الطريق الضيق مأسورة بسحر النور الخفيف النادر عائدة إلى البيت بعد منتصف الليل بقليل تسابقها الأحلام بليلة أخرى إلى حيث العش اللطيف الذي أعدته قبل عشرين سنة بعد زواجها بعام واحد في الجنوب الشرقي من مدينة كيفه حيث الأغلبية هناك أناس فقراء جدا .......... 
تعود كل ليلة مثقلة بالتعب رفقة العائدات القليلة لتجارتها التي اختارت لها مكانين في وقتين مختلفين ، اختارتهما بذكاء فطري تتمتع به دون الحاجة لسابق تعليم اختارت المكان الأول قبل من الخامسة والنصف حتى الثامنة مساءا في كنف أحد الدكاكين يملكها أحد الطيبين في السوق المركزي للمدينة الذي يغلق أبوابه بالكامل مع تمام الثامنة لكنه مركز رهيب لتجمع العشرات أثناء ساعات العصر والمغرب ، مارة ، تجار ، عمال ومنمون يعودون إلى المناطق الريفية الساحرة المحاذية للمدينة كل هؤلاء يحتاجون الكسكس ورذاذ الدقيق المعد بالطريقة الأنيقة والمسمى محليا "باسي" يتفقد الزبون المعتاد "اطول عمرو" حزمة الكسكس التي أعتاد اقتناءها ـ ثمن مائة أوقية ـ قبل دقائق من نقل الجماعة المعتادة إلى إحدى القرى القريبة ، يملك 505 بيجو زرقاء ـ بالمناسبة ـ .
بعد اكتمال المغرب وموت الشفق تحمل "إنجيها" ما تبقى من بضاعتها في إنائها الكبير الخاص بالبضاعة إلى المستشفى حيث هناك ينتظرها زبناء آخرون يستعملون غالبا مادة العيش ويأخذون ما تبقى من البضاعة الأخرى ، هي غالبا تعود بإناء فاض وجيب ليس بالمملوء كثيرا ، ليس مملوءا إطلاقا ، يحوي ألفا أو ألفان وقد تزيد قليلا مع المزيد من الحظ .
في طريق العودة تقوم بعمليات حساب لما ستصرف فيه أموال الليل غدا ، هكذا تفعل كل مرة "500 حق الغداء ، 500 حق الدقيق ، 300 حق ـ لحجاب ـ ، 200 حق الفحم ، 500 حق الادخار  " ، هذا هو حسابها منذ شهرين ، منذ أصيب ابنها "علوه" ذي العشرين ربيعا بالحنون وتحول من شخص عامل وطموح ذي أفكار غريبة حول إمكانية الغنى الفاحش إلى شخص ثرثار مثبت خشية بطشه يصدر اصواتا مخيفة تجمع بين كل مكونات الطبيعة وأبطالها من الحيوانات المفترسة ، الطيور ، النعم ، وأحيانا يحاكي الأذان أو يغني ، كل ذالك يعني ـ فقط ـ أنه لم يعد ذالك الشخص المنهمك في العمل وصاحب الأفكار الغريبة حول التحول من الفقر إلى الثراء .
بعد سقوط "علوه" في أتون الجنون سقطت معه 300 أوقية ثمينة من المصروف اليومي للعائلة ، هناك "حجاب " وصل خبره بالتواتر لبائعة الليل وأشترط الـ 300 كحد أدنى للتعامل مع المجنون ، لم تكن لتمانع لأن معتقداتها تقول أن الحجاب يسأل والناس تعطي ـ دون جدال أو مماكسة ـ ، خشية على مستقبل المريض .
في إحدى جوانب الغرفة الثانية يقبع الراقص الذي تعلم أساليب الرقص الغربي وصار مساهما فعالا في إحدى عصابات المدينة التي تهتم بتقليد الحياة الغربية سواء في الحلاقة أو اللبس أو حتى الكلمات الفرنسية الركيكة التي يتبادلونها ، "سيداتي" هو الابن الثاني المسمى على عمه الذي لا يعرف عنه أحد خبرا يقينا إلا في قصص الأب الذي حدثهم عن بعض المغامرات التي انتشلته من عالمهم ونقلته إلى مكان ما من إفريقيا الأعماق وأنتهى خبره إلى اليوم .
تتوزع الغرفتان إلى عدة مناطق نفوذ داخل الأسرة بمعدل منطقة لكل واحد من الأولاد العشرة ، البنت الوحيدة التي حظيت بها بنت ودودة تحاول المساعدة قدر الإمكان لكنها مشغولة في الدراسة تشاركها تجارتها المسائية وأحيانا تحل محلها في مزاولة الطبخ ، تفعل أفضل ما بوسعها .
قبل العشرين عاما الماضية كانت بائعة الليلة تعيش في كنف العائلة قريبة العهد بفك قيد العبودية التي عانى منها أجدادها لقرون خلت رغم كل ذالك لم تحقد على أحد ولا تهتم بشيء أكثر من تربية أبنائها وإيصالهم ما وصلت إليه يوم زواجها ، لم تقطع رابطتها بالعائلة الجميلة التي تحتضن أسعد ذكرياتها في واحات العصابة عاشت ضمن عائلة معروفة بالاهتمام بالنخيل بأجر زهيد ومحصول نخلة لكل سنة ، أبوها أحد الأشخاص الثقة المستشارين في الواحة لدماثة خلقه وسداد رأيه وعاشت صداقات عديدة بقيت كذكريات تحتفظ بها حتى اليوم .
يستيقظ الجميع قبل الفجر بساعات تحت وطأة صياح "علوة" وتوعده لأشخاص وهميين بقتلهم وإنزال الأهوال بهم .
سيكون يوما حافلا بالنسبة لبائعة الليل ، في خيلاء يتجول "سيداتي" في أركان البيت باحثا عن مثبت الشعر الخاص به وقميصه البراق المزركش الذي ثبتت عليه صورة مغني البوب "مايكل جاكسون" فيما تصلي "إنجيها" الضحى قبل البدء في إعداد الغداء و الكسكس ورذاذ الدقيق "باسي" و"العيش" ، اربعة وجبات قبل المساء ، على أكناف دكان التاجر الطيب تقابل مغازلين على حياء بالطريقة البدوية التي لا تبين شيئا من فحوى الغزل غير أنه حديث بلا موضوع ولا سبب ، " اطول عمرو " أعتاد مغازلتها بتلك الطريقة البريئة التي تشعرها شيئا ما بأنوثة لعبت عليها عوامل العمر والوحدة بعد ثلاث سنين من وفاة الزوج المسكين ،
لديها مغازلين أيضا قرب المستشفى فغالبا ما يغازلها بنفس الطريقة الغامضة ـــ كلام في غير محله وبدون أسباب ـــ مالك العربة الذي يزود بالمياه بعض المنازل في الحي ، الكثير من الزبناء يشترون بصمت وأغلب المغازلين لا يشترون  يريدون تمضية بعض الوقت في الحديث فقط ، غير أن أحد المغازلين اليوم كانت لدية أغراض أخرى فبعد منتصف الليل بدقائق تحسست مكان الأموال تحت رداء القماش الرمادي البالي الذي تفترشه لتعثر فقط على 500 أوقية .
في الليلة التي صادفت طلوع البدر في ابهى حلله كانت تتعثر في الطريق الضيق مأسورة بسحر النور الخفيف النادر عائدة إلى البيت بعد منتصف الليل بقليل تسابقها الأحلام بليلة أخرى إلى حيث العش اللطيف الذي أعدته قبل عشرين سنة بعد زواجها بعام واحد في الجنوب الشرقي من مدينة كيفه حيث الأغلبية هناك أناس فقراء جدا ، لم تعد تدري الحساب وكيف سيمضي الغد لقد حفظت طريقة حساب واحدة فقط وهي كيفية تقسيم 2000 على تفاصيل اليوم أو لا توزع شيئا في الأصل هكذا تعودت دائما ، من الضروري 300 للحجاب ,وإلا لن يشفى "علوة" ، من الضروري 500 للدقيق وإلا لن تبيع شيئا في الغد ، من الضروري أن تصرف 500 في غداء الغد وإلا ستطاردها 10 معدات جائعة لا تعرف الأعذار ، يبدو أنها في ظل هذه الحيرة لن تنفق هذه الـ 500 وستضيفها إلى الادخار فذالك أرحم من التفكير في كيفية صرفها .
قبل ساعات الفجر كان "علوة" غاضبا كعادته ويتعهد جميع الشخصيات الوهمية في رأسه وكان وقت الاستيقاظ قد حان ، قامت "بائعة الليل" متثاقلة إلى الحمام الغير مسقف ثم عادت إلى عادتها القديمة وهي الوضوء من ماء القدر الذي يشبه الثلج ،  كانت العتمة تخالط كل الأشياء ناثرة الغموض الذي يسبق صباح المدينة الهادئة ، أطرقت حينا ثم حدثت نفسها :   
ـ "لاشيء مهم سآخذ من مدخراتي ".


ــــــــــــــــــــــــــــــــ عام 2012 ــــــــــــــــــــ

الجمعة، 27 أبريل 2012

بين أصبعين


-->
بطبيعتها التنظيمية التي ترتب من خلالها كل الأشياء زمانا ومكانا تغالبها الإشارات ت لتصنيف كل شيء ، ومن بين ماتصنف حكاية الأسبوعين كي لا تحصل صدمات مفاجئة في مشاريعها التي ترتبها بشكل مقدس ، تصنف الأسابيع إلى نوعين :
ـ الأسبوع غير الملفت للانتباه هو أسبوع تشير له بأصابع مبتعدة كمن ينفض شيئا مع تعبير وجه بالغ  التنمر فهي تكره القيادة المطلقة التي تفرضها المعلمة في الأنشطة التي تتطلب مراقبة مباشرة من هيئات التدريس ، فتبدو عليها علامات السخط رغم محاولتها الدائمة التفوق في كل شيء لكنها نادرا ما تصيح في هرج بطريقة غير منتظمة راسمة على وجهها لوحة تغني ناضحة بفرحة القلب ـ كعادتها مع تعبيرات الفرحة و نشوات النصر ـ .

ـ تطلق على الأسبوع التفاعلي الجميل ـ إشارة ـ بقبضة الإبهام والسبابة مشكلة بهما رسما دائريا ليعني ذالك ان الاسبوع سيسير بشكل مثالي لأن بعض الاشياء المسلية التي تجد فيها ذاتها وتطلق العنان لقدراتها التنافسية مبرمجة في مدرستها "الخاصة للصم" نفس الأسبوع، هي تحب دروس الرسم وتلطيخ الصفحات البيضاء بالألوان ولها ذوق رفيع في المزج بينها ، تحب الكثير من الأشياء ذات الطبيعة البصرية وأكثر من كل شيء تحب لعبة شد الحبل التي تجعلها منتشية حين تفوز على خصمها اللدود ـ سبابتين متقاطعين ـ أو ما تقصد به "الخصم" ، وأحيانا يعجبها أن يلعب "الخصم" في فريقها لكنها تخجل من طلب ذالك بشكل مباشر ، ستكون مسرورة أكثر لو كان الطلب صادرا منه، الحقيقة أنها لم تطلبه يوما في فريقها لكنها تهز رأسها بطريقة حماسية وسريعة حين يقترحه أحد أعضاء الفريق ، تغير الإشارة المعبرة عن اسمه الى إبهامين ملتصقين متوازيين حين يكون جزءا من فريقها المنتصر كتعبير عن الصداقة والتحالف بدل السبابتين المتقاطعتين .
وحين تختلس النظرات في الأسابيع المملة اليه توشك أن ترسم إبهامين متوازيين بكل قوة لكنها تستشعر ضغط التصاقهما في قلبها فتوقن أن أجواء المنافسة هناك أكبر وأكثر غرابة ، تطرق فجأة بعد تصادم النظرات لتعود الصورة أوضح فتحدث نفسها "لا يمكن أن أظهر له إلا أننا "سبابتين متقاطعتين "، في إنتظار الأسبوع الآخر .


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 2012 ـــــــــــــــــــــــــــــ

إهداء إلى كل الصم في موريتانيا وإلى الذين أشرفوا على الأسبوع الوطني للصم ـ كم أنتم رائعون يا أعزائي ـ 

الأربعاء، 14 مارس 2012

5 دقائق ـ تشويق ـ


الجزء1


...." لا يهم أبدا كيف ، لا يهم أيضا متى ، الوحيد الذي يهمني هو أين ؟ ، وهو ما أنا هنا من أجله ، أكثر شيء ملح أريد أن أخبركم عنه أولا أني أمقت الرياضيات للدرجة التي وددت لو قتلت فيثاغورس وشال وطاليس وكل أولئك الفضوليين التعيسين قبل أن يكتشفوا أي شيء ."
كانت كأي صباح تستيقظ قبلي لتملأ البيت بالنشاط ، ترتب الأشياء التي بعثرها الليل الحالم ، تعيد ناموس حياتها اليومي ، تضفي لمساتها الساحرة على كل الأشياء ، تكفي لمستها ليعم النظام والترتيب كل شيء ، لقد أصبحت أحفظ خطواتها رغم سوء حفظي في كل شيء :
ـ  تنهض بهدوء لكني أستيقظ مباشرة ،
ـ تلملم الأشياء المتناثرة في الغرفة ،
ـ توقظ الولد ، وتعد حمامه ،
ـ تدخل المطبخ وتعد وجبة الفطور ،
ـ هنا توقظني ـ أنا بالفعل مستيقظ لكني أحب أن أكون جزءا من نظامها الصباحي ـ ،
ـ تعد أشيائي وأحيانا تتجسس على أغراضي التي أضعها في جيب "دراعتي" ، يقتلني تجسسها لكني أحسبه جزء من دكتاتورية النظام ، ربما دكتاتورية الغيرة ، أو حماقاتها ، لكنها تتحايل كل مرة لتلعب دور المظلوم حين أكشف تجسسها ، لست أدري لماذا أنا سريع الاقتناع حين تجادلني ، ربما لأني في أمور البيت والتعامل مع زوجتي أقع في الصفوف الأخيرة من تصنيف الهواة .
عدت مسرعا من الحمام ، خوف أن تفهم الرسائل الموجودة في جيب دراعتي ، لاشك أنها لن تقتنع بأي عذر إن اكتشفت كل شيء قبلي .

إنها خمس رسائل وجدتها في صندوق البريد ، لم تصلني رسالة في صندوق البريد منذ استلامه ، كنت مملوءا بالفضول ماذا عسا ها تكون ؟
خمس رسائل دفعة واحدة ، أي شخص صرت مهما أنا الآن ؟؟
في مبنى الصحيفة التي أعمل فيها لا يهتم بأمري أحد ، يصفني بعضهم بالفاشل ، ربما هي عقدة الفشل التي تعاني منها الصحيفة بمن فيها ، هي اقل الصحف مبيعات لأنها تهتم بفلسفة ابن خلدون ، وبالنقد الأدبي ، ولها نسخة علمية ، تصدر 1000 نسخة شهريا ، لكن الخرفان هي أكثر من يستفيد منها ، كثيرا ما أرى أعدادها ـ التي تناقش الموروث الحضاري لشعوب التبت ، والبلقان ، و الأتراك ، أو موروث إخوان الصفا في الفلك وأخطائهم المنهجية ، ـ تستخدم كأوعية للبسكويت المصنع في البيوت ، أو للكباب ، هذا إذا لم يتسلى بها قطعان الماعز المنتشرة في الشوارع .
حتى صندوق الصحيفة كانت تصله أحيانا رسالة ـ على استحياء ـ من إحدى الرابطات الأدبية التي لايتجاوز منتسبوها 10 أشخاص ، غير أنها تملأ كل مكان صياحا بالأيام الترفيهية ، والأسابيع التربوية ، والأشهر التفكيرية ، تصل تلك الرسالة أحيانا لتوجه شكرا ودعوة لأسبوع تفكيري ، "
الطيور على أشكالها تقع "
بدأ الجميع ينظر إلي في حسد وفضول ، كانت نظراتهم توحي تخترقني وكأنها تستعجل مضمون الرسائل ، لذالك أجلت النظر فيها ، ثم نسيتها ، عند خروجي من الحمام مسرعا وجدت سيدة النظام تخرج رسائلي ، بدأت أحاول السيطرة على انطباعي خوف الظن ،
ـ انتظري ..... ليس الأمر كما تظنين ، هذه رسائل وصلتني في البريد بالأمس ، ولم أنظر فيها ، سأفتحها أمامك إن أدرت ، وألقيت نظرة على العناوين الموجودة على الأغلفة ، لكنها لم تكن سوى أرقاما ، تناولت المغلف رقم
1 :
ـ " أنت الآن على وشك أن تعيش إحدى أكثر لحظاتك إثارة وخطورة في حياتك ،
أمامك ، أربع خيارات ، وأربع أغلفة ، كل واحد من هذه الأغلفة يحوي هاتفا جوالا ،
لكن في أحد هذه الهواتف توجد قنبلة تبدأ العد مباشرة بعد فتح هذا المغلف ، هذه القنبلة يتم تعطيلها على أربع مراحل ، يتم تعطيلها بفتح الأغلفة بالتتالي المبرمج لتعطيل العداد ستبدأ الهواتف بالرج بمجرد بقاء دقيقتين ، بقيت أمامك 4 دقائق و45 ثانية ،،، 44 ،،، 43 ،،،42 ، ـ لنرجع الآن ـ ، القنبلة شديدة الانفجار تحدث انفجارا بقطر كيلومتر ،
أما الخيارات الأربع التي أمامك فهي :
1ـ أن لا تصدق ، لن تخسر شيئا حالا ، بعد 4 دقائق و 32 ثانية ،،، 31 ،،،، 30 ،
ستكتشف أنك اخترت الاختيار الخطأ .

2
ـ أن تصدق وتحاول الهرب ، سيكون حينها أمامك 4 دقائق و24 ثانية ،، 23 ،، 22 ، لكن في الثانية 0 ستكون قد تجاوزت 932 متر كأقصى تقدير إن تعاملت ببطولة مع الموقف وحاولت إنقاذ طفلك وزوجتك بأخذهم معك .

3
ـ أن تحاول المثالية وتبلغ الشرطة ، وحينها لا تنسى أنك تعيش في نواكشوط وأقرب خبير متفجرات يستطيع التعامل مع الموقف يبعد عنكم 3000 كلم ، هذا إن أجاب صاحب الشرطة ، أنت الآن تضيع الوقت أيها الجبان ،،، أمامك 4 دقائق و0 ،،

4
ـ أن تواصل اللعب ، حينها معك فقط 3 دقائق و 58 ثانية ،،،57 ،،، 56 ،،،
يبدو أنك اخترت الخيار الصعب يا بطل ، الآن أريد أن أقوم بمصالحة بسيطة بينك والرياضيات لأنها الوحيد الذي سينقذ حياتك وحياة المئات الآن ـ إياك أن تتجاوز خطوة واحدة ـ ، بعملية سريعة أحسب مجموع الأرقام المتبقية : .......

هل يذكرك رقم 7 بشيء ؟ ،
" ـ تناولت الطرد الثاني بسرعة وقمت بفتحه ، فعلا كان هناك هاتف جوال من النوع العادي جدا ، وورقة أخرى ... "
" ، أنت تقوم بعمل رائع ، ما هو رأيك الآن ؟
قم بضرب المجموع في 7 ، أنت الآن في موقف صعب جدا ، عليك أن تحس بذالك ، دعني أذكرك بالوقت الباقي لك ، 3 دقائق 28 ثواني ،،، 27 ،،، 26 ، قم بنزع الرقم 3 ، ماهو حاصل جذر الحاصل ؟؟ انزع 4 أنت ،،،، أنتظرك في المغلف التالي .............
ـ بسرعة تناولت المغلف 5 ، ـ في هذه الأثناء كانت زوجتي تنظر ببلاهة إلى ما يحدث ، كانت نظرة اللامبالاة عليها تقتلني ، بدأ العرق يزداد ، وأناملي بدأت ترتجف ،

أحسست أني لا أستطيع مواصلة التفكير ، كان الصوت الوحيد لتفكيري : " ـ يمكن أن يكون هذا المجنون لا يعني ما يقول ، إنما يريد التسلية ، لكن كيف يتسلى وهو لا يراني
الآن ؟؟ ما أدراه أني تعاملت أساسا مع هذه الأشياء التي أرسل لي ؟ لماذا يتكلف قنبلة بهذه القوة ، ؟
ـ هل يوجد في هذا العالم مجنون سيتكلف ما يقارب عشرين مليون أوقية من أجل خمس دقائق من المرح الذي لن يراه ؟
ـ مادام يعرف كل هذه الأشياء فلا شك أنه يراقبني الآن ،،،
ـ يراقبني الآن ؟؟! أي وقح هذا ؟! يراقبني في غرفة النوم ،؟؟!
ـ ماذا يريد من صحفي تعيس وفاشل ؟؟ يعمل في صحيفة فاشلة وتعيسة ؟؟ !
ـ لكن ماذا يريد من هذا الحي البسيط ، إن كان صادقا أن قطر الانفجار كيلومتر ، ؟
ـ لم يتحدث هذا اللعين عن التفاصيل ،، ربما كانت مشعة ،، لا ، لا يوجد إشعاع إلا في خيالي أنا .
لكن مادام مجنونا فأظن أن من العبث تخمين ما يريد ، من العبث أيضا العبث معه يريد ، لكن الخطير جدا العبث بما يريد . "

ـ بدأت الهواتف حينها بالرج ، لأرمي كل شيء في ذعر ، هنا فعلا بدأت أحس بذعر زوجتي لقد تخلت عن بلاهتها لكنها لم تفعلها إلا بعد أن أربكتني كثيرا ، لكن ذعرها أربكني أكثر ـ عدت الآن للعبة ـ .

ـ في المغلف رقم 5 وجدت ورقة وهاتفا ،،، هاتف مرصع بجواهر ، لست متأكدا من طبيعتها لكنها أعادتني للتفكير مجددا أن هذا المجنون قد يغامر بكل شيء من أجل 5 دقائق من المرح ، ليس عندي الآن أدنى شك أن هذا الوقح يعيش في غرفة نومي بكاميرا مزروعة أو ربما كاميرات موزعة ، لكن الذي يقتلني هو ما المضحك فيما يفعل هذا المسخ اللعين .


(((()))))

الجزء 2 :

" زوجتي تعمل معلمة في أحد المدارس الابتدائية ، وناقمة على كل شيء في الدولة ، ناقمة على الأحياء الفوضوية التي لم أتمكن بعد من إخراجها من أحدهم إلى حي أكثر نظاما ، ناقمة على الشوارع السيئة ـ ولا أدري لما تهتم بها فهي أولا وأخيرا لا تملك سيارة مثلي تماما ـ ، ناقمة على قطاع الشرطة دون استثناء ، على قطاع التعليم ، على قطاع الصحة ، في أوقات الخلوة تصيبني بالتثاؤب كثيرا حين تحول أغلب مشاريعي ومواضيعي إلى موضوع واحد يشغلها :

ـ متى سيجيبني شرطي بتهجم ويرفع شكوى ضدي حين أقوم برشوته بـ 200 أوقية ؟؟
ـ متى ستهتم الحكومة بالتعليم الأساسي الذي ـ بكل المعايير ووفق كل الدراسات التربوية ـ هو الأهم من كل مراحل التعليم ، ؟؟! ثم أشعر بحشرجة في صوتها توحي بتأثر شديد ، ثم تسيطر على دموعها ، الآن أعرف أنها تتذكر مآسيها التي تؤلمني فقط لأنها تؤلمها .

منذ 7 سنوات أكتشف أنها مصابة بورم الرحم ، وإلى أن أكتشف الدكاترة ذالك كان قد مرعلى الورم 3 سنوات ـ أو هكذا قال الدكتور ـ .

خاطبني الدكتورـ حينها ـ :
ـ هي محظوظة أننا ـ أخيرا ـ اكتشفنا حقيقة الورم لأن الطب يبعد كثيرا احتمال أن تصاب به من لم تصل سن 35 ، لكنه نصحني أن حياتها ستكون في خطر أن أقيمت العملية داخل الوطن، أقترح علي أن أسافر بها إلى أي مكان خارج الحدود ، حينها قمت باستنفاذ كل طاقاتي وما أملك كي أسافر بها خارج الوطن ،،، أنا الآن أحس أن كل شيء كان ممتعا حتى وأنا أتمايل نعاسا على الكرسي جنبها ، أكثر من أي وقت آخر أحسست بقيمتها وكل ما تذكرت تلك الأوقات أحسست أن من المستحيل أن أعيش دونها ،،،
لكنني الآن لا أدري ماذا ينتظرني ، وينتظرها ، وينتظر كل أحد على بعد كيلومتر من هنا على يد هذا المجنون . "


ـ في الورقة ـ


ـ لنوسع مجالات اللعب أيها المحترف ، أمامك 3 دقائق و17 ثانية ،،، 16 ،،، 15
في أحد المغلفين الباقيين توجد قنبلة فتاكة ، قد لا تصدقني حين أقول لك أنها القنبلة الوحيدة من نوعها في موريتانيا ، أنت الآن بحوزتك قنبلة بقيمة 100 مليون أوقية عمرها 3 دقائق و7ثوان ،،، 6 ،،، 5 .
كم أشفق عليك ، أنت من ألئك التعساء الذين لا يجدون أي فرصة للثراء إلا على بعد لحظات من الموت ، أنظر مثلا ، أنا الآن أمرح بحياتك و بحياة كل ألئك الفقراء الذين يعيشون في حيك أنا الآن أراقبك ،،، تأكد أني أضحك الآن ، هل أنت حنق ؟؟ ! فلتكن كذالك ، مهما فعلت لن تكون سوى لاعبا يمشي وفق خططي .
أظن أنك الآن مدين لي بتوضيح :
عندي جهاز تحكم عن بعد يتحكم بالقنبلة ، لكن ، صدق أو لا تصدق ، لقد أبعدت هذا الجهاز بعيدا حتى أكون عادلا معك في اللعبة ، وحتى أكون عادلا معك أيضا سأتركك تتابع ، الآن أمامك 2 دقيقة و30 ثانية ،،، 29 ،،، 28 ،،، :
لكن قبل كل شيء أنتهز الفرصة لأبدي إعجابا لا محدودا بك ـ طبعا إن كنت الآن تتابع ما أكتب بتركيز ـ ففي برامج المسابقات التي لا تتعلق إلا ببعض الكسب المادي السهل ألاحظ قمة التوتر على محيا ، وفي تصرفات المتسابق حين تبدأ تلك الموسيقى المزعجة التي أعدت بإتقان ـ فقط ـ لتشعر سامعها بأقصى قدر ممكن من التوتر ، أما أنت ، فها أنت أمام إحدى أقسى لحظاتك في مسابقة غريمك فيها هو الموت ، ليس لك فقط بل لزوجتك و ابنك وكل البسطاء في حيك ، أنا ـ فعلا ـ أضعك الآن في موقف حرج لكني أعترف أنك بطل وتستحق أكثر من أن تعمل في تلك الصحيفة الغبية ، التي رغم كل إدعاءاتها للثقافة لم تحاول يوما أن القيام بخطة لزيادة قرائها .
لقد تعمدت أن أذكرك برامج الكسب المادي التي تبدأ بتصعيد الأسئلة كلما تقدم الوقت وزاد الحساب ، سأقوم الآن بتوسيع العمليات الحسابية ، الفرق فقط أنك لن تكسب أكثر من حياتك ، ولن أحاول الضغط عليك لتغيير إجاباتك ، لكن سأغير الطريقة ، في السابق كنت تقوم بعمليات حسابية لتحصل بكل سهولة على رقم المغلف ، لكنك الآن لديك مغلفان فقط ، معركتك الآن مع الدقة ، لكي تنجو عليك أن تكون دقيقا في حسابك للوقت لأن الدقة هي من يمكنه الآن إنقاذك :
أخبرك الآن أن الناتج الأخير من كل العمليات التي سأطرح لك هو 0 ، ركز معي جيدا إذا ،،
ستقوم بالعمليات بسرعة وستقوم بضبط التوقيت عندك ، ستكون في عداد الأموات طبعا إن لم تكن بصحبتك ساعة الآن ، ستبدأ العد التنازلي ـ الآن كن جاهزا وأضبط الجهاز مع الإشارة ـ :
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، ،،،،،،،،،،،،،،،، أنتظرك ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، ،،،،،،،،،، ابدأ الآن
مازال أمامك 1 دقيقة و44 ثانية ،،، 43 ،،، 42 ،،، حين تكمل العملية وبمجرد أن تحصل من عملياتك على 0 أوقف جهاز حساب الوقت ،، سيكون على حاسب الوقت 4 أو 3 ، أي أنه بقي 4 أو 3 ثواني ، إن كنت تعاملت بدقة مع الموقف فأفتح الظرف ذا الرقم الذي يشير إليه عداد الزمن وستنجو :

سأذكرك الآن ببعض التواريخ

99 :
سنة ميلاد ابنك
78 :
سنة ميلاد زوجتك
73 :
سنة ميلادك
أي أن :
10 :
عمر ابنك
31 :
عمر زوجتك
36 :
عمرك

99
ـ 10 = أ
78
ـ 31 = ب
73
ـ 36 = ج
99
ـ 73 = د
78
ـ 31 = هـ
36
ـ 10 = و

الآن قم بالعمليات التالية :
أ + ج ـ ب = ز
د ـ هـ ـ و = ح

قم بأي عملية تراها بين (ز) و (ح) لتحصل على 0 وأوقف التوقيت بمجرد الحصول عليه ،،، سأتصل بك إن كنت ناجيا ، وأسكون حزينا إن كنت ميتا فأنت من القلائل الذين تسببت لموتهم وأنا راغب في حياتهم .
" .............. دهشت ، وبدأ قلبي يتسارع باحثا عن منفذ للخروج من جسمي ، حاولت أن أعيد النظر لأتأكد ،، لكني كنت متأكدا : لقد كان العداد ـ حين افترضت أنه حان وقت الحصول على 0 ـ يشير إلى 2 ثانية ....لقد أفترضت ، أو تأكدت فعلا أني حصلت على 0 ،، لكن ليس مقابل أي رقم من اللذين حصلت عليهم ،
ـ هل هي مسابقة مع الزمن ، فيكون الغلاف 4 هو الأول ؟؟
ـ أم هي مغالطات من مجنون فيكون الغلاف 3 ؟ .. "

(((())))


الجزء 3 :

" ذات يوم ، في مكان ما ، حين كنت أترنح في أزمنة من الفراغ وكان الملل يتمدد في الواقع المحيط بي كما يتمدد الزئبق ساعات الغيظ ، لاحظت صفحات من كتاب تعبث بها الرياح فتبعتها معتقدا فيها مخلصي من الملل على هذه الأرض الموحشة أواخر الصيف ، لكني فوجئت بكتاب لم أفهم منه حينها أي شيء ، كان يزيدني مللا لكني كنت متشبثا به ، فقد كان يهدي إلي لحظات قيلولة يرغمني عليها ملله ـ هو الآخر ـ ، أما عنوان الكتاب فكان " أحلام آنيشتاين " ، كنت أرى في آنشتاين ذالك المترف الذي يحاول جاهدا تعقيد حياتنا بفلسفاته وآراءه ، كنت أتثاقل مع أحد مجنوني آنيشتاين المغرمين بنظرياته والمحاولين فهم ترفه الذهني ، حين كان يتقمص
دور الفاهم لكل شيء ، فيبدأ بإقناعي :
ـ كل شيء ثابت لو قارنته بالزمن فالزمن هو وحدة الأشياء وهو الأصل في كل شيء و إن أحكم ما جاد به العقل البشري هو نظرية النسبية ،
أقاطعه :
ـ لا شك في ذالك ، هذا طبعا إذا انطلقنا من أن العقل البشري نسبي والحكمة ليست ثابتة حتى لو قارنتها بالزمن ، حينها طبعا من الأكيد أنك ـ أنت ـ لا تعرف وحدة الأشياء ولا تعرف أصلها ، يواصل :
ـ بفضل نظريات آنيشتاين ، يمكن للإنسان قريبا أن يطل على المستقبل أو يتلاعب بالماضي ،وبالتالي يتحكم في الحاضر

أقاطعه :
ـ ليس هناك من لا يشمئز من الحاضر ، لأنه عانى في الماضي ، ويخاف من المستقبل ، فأين سيبدأ إذا ؟ !

حينها ينظر إلي بإشفاق ، كمن يرى أني لا أستحق التعب في تلك الحكمة التي يبسطها بطريقته عن آنيشتاين .
أما تلك القطعة من الكتاب فلم تكن عندي سوى محفز للنوم ساعات القيلولة كنت أتناول صفحة منها ، فقرة ، فقرتين ، وأستيقظ على عتاب الجد وهو يلومني على تأخري عن صلاة العصر في المسجد .
الآن أذكر الكثير من تلك الفقرات ، ليس تذكرها فقط ، يبدو أني أيضا أصبحت من مجانين آنيشتاين وبدأت حكمة مزيفة تعكس الضرورة الملحة لتفسير الأشياء التي مررت بها ، وطبعا سيتحمل آنيشتاين مسؤولية كل الأخطاء الشنيعة في تفسيراتي لثلاثة أسباب :
أولا : ـ أني أعترف الآن أني من مجانين آنيشتاين ـ فقط ـ لأني ارغب في تفسير لما حدث
الثاني : ـ كل شيء ثابت فعلا لو قارنته بالزمن ، فالزمن هو وحدة الأشياء ، وهو الأصل في كل شيء ، وإن أحكم ما جاد به العقل البشري هو نظرية النسبية . ؟! "
الثالث : ـ بفضل نظريات آنيشتاين ، يمكن للإنسان قريبا أن يطل على المستقبل أو يتلاعب بالماضي ، وبالتالي يتحكم في الحاضر



بقيت ثانيتين


"
دهشت ، وبدأ قلبي يتسارع باحثا عن منفذ للخروج من جسمي ، حاولت أن أعيد النظر لأتأكد ،، لكني كنت متأكدا : لقد كان العداد ـ حين افترضت أنه حان وقت الحصول على0 ـ يشير إلى 2 ثانية ....لقد أفترضت ، أو تأكدت فعلا أني حصلت على 0 ،، لكن ليس مقابل أي رقم من اللذين حصلت عليهم ،

ـ هل هي مسابقة مع الزمن ، فيكون الغلاف 4 هو الأول ؟؟
ـ أم هي مغالطات من مجنون فيكون الغلاف 3 ؟ .. "

أحسست بدوامات تجتاحني بسرعة فائقة ، أحسست باهتزاز كل شيء حولي
ثم بدأ الإدراك باللحظة يتناقص ، كل شيء صار مظلما وبدأت كوابيس بأبعاد أخرى تتسلل وتفصلني عن الواقع .

"
الآن أرى طفلا يرتدي سروالا قصيرا ، متسخ الساقين ، يلاعب فتية في الشارع مساءا ،
يطول المساء عليه وهو يترنح في تلك الشوارع ، ينتظر الساعة السابعة التي تعني بالنسبة له الانتقال عبر التلفزيون لعالم أكثر مرحا ، هو عالم " شارل كهولمز " ـ الكلب الذكي ـ صديق ـ
القط البدين ـ " دكتور واطسون " عدو ـ الكلب الشرير ـ " موريارتي " غريم ـ الكلب الغبي ـ "
ليستريد " .كانت رياح المساء الباردة التي تأتي من المحيط تجتاحه بعنجهية ، كان الطفل بملابس رقيقة وضئيلة جدا فأصيب بربو مزمن ، لكنه يختزل ثلثين من العالم في ثلث ساعة بعد السابعة ، هذا كان عالمه ، يطول المساء عليه قبل السابعة ، لكنه يطول أكثر حين يكتمل شحن البطارية التي تعبأ أسبوعيا .

على جانب آخر هناك رجل ملثم يبيع علب اللبن المعروفة بـ " الشكيوة " بملابس رمادية ،يجول طوال اليوم بين الدكاكين على رجليه ، ويأخذ قيلولة نحوية مع أحد الشيوخ النحويين الذين أطهدتهم الحياة بطريقة ما ، يملك دكانا غنيا بالعناكب ، تبدأ جلستهما مع نوادر النحو واللغة آخذين أمثلة من نوادر الشعر ، والأكثر غرابة في أسلوبهما طريقة الضحك المشتركة ، حيث لا تميز أن أحدهما يضحك إلا إذا عمقت النظر في عضلات البطن ، ثم يكمل الطريق بعد صلاة العصر ليمر على بقية الدكاكين ، بعد صلاة المغرب يبدأ مشوار العودة للبيت .

يظهر الفتى بعد اكتمال الثلث ساعة المنشود ويبدأ بالتطلع باتجاه الطريق الرئيسي كمن ينشد ضالة ، يرى الرجل الملثم بائع العلب يقترب ، هنا يهرول الطفل باتجاهه ، يبدأ بالابتسام ثم يجهز بعض الحلوى أحضره لهذا الموقف الذي يتكرر كل يوم .
يتشابكان راجعان إلى البيت ، إني أحس الآن بحرقة يحسها الرجل ، أحس بعطشه ، أستغرب لماذا مازال متمسكا بلثامه الذي أحس معه باختناق شديد لأن صورته بدأت تقترب كثيرا بدأ كل شيء يحيط به يخنقني ، هنا تقترب السيدة رويدا وهي تحمل قدح " الزريك " البارد ، لكنها تتعثر قريبا منه فيسقط كل شيء على وجهه ، "

شهقت بشدة فيما يشبه وقت العودة ووجهي مبلل بكامله ، أعدت النظر في الساعة فوجدت ثانية واحدة باقية ألتفتت ووجدت زوجتي تناولت أحد المغلفين لست أدري أيهما لكني بهستيرية تناولت الآخر وقمت بفتحه مباشرة ، نظرت بسرعة فوجدته المغلف 3 ، نظرت إلى يميني فوجدت أن زوجتي فتحت الآخر ، انتهى الوقت ولم يحدث شيء ،

أينا فتح مغلفه أولا ؟!

أنا الآن لا أصدق أن هناك قنبلة ، حتى إنها لا تهمني بأي شكل من الأشكال الآن ، الذي يرعبني ولم استطع قوله لأحد ، حتى زوجتي لم أخبرها ، الذي يرعبني حقا أني تجولت في يوم صائف طويل ، استشعرت طوله بكل دقيقة فيه ، شعرت ببرودة الرياح مساءا وبعفونة الجو قيلولة وأنا بصحبة ألئك الشيخين ، في ثانية واحدة ،
ألم أقل لكم أني أفضل أن أكون مجنونا من مجانين آنيشتاين على أن أكون مجنونا صريحا ، ألا تعرفون أن :
ـ كل شيء ثابت فعلا لو قارنته بالزمن ، فالزمن هو وحدة الأشياء ، وهو الأصل في
كل شيء ، وإن أحكم ما جاد به العقل البشري هو نظرية النسبية . ؟! "
ـ أششششش لا أريد مقاطعة ، أنا هو مخترع تلك النقاشات الثقيلة ، لا يمكن أن أقبلها سلاحا ضدي ، سأكمل :
ـ بفضل نظريات آنيشتاين ، يمكن للإنسان قريبا أن يطل على المستقبل أو يتلاعب
بالماضي ، وبالتالي يتحكم في الحاضر

"
حتى القدح البارد الذي تدفق أحسسته بالكامل على وجهي ، أخبرتني زوجتي أنها من صب الماء علي لأستفيق ،
لكني لا اصدق شيئا من ما قالت ، لقد كان ذالك القدح ، أنا متأكد . "

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عام 2008