الأربعاء، 14 مارس 2012

5 دقائق ـ تشويق ـ


الجزء1


...." لا يهم أبدا كيف ، لا يهم أيضا متى ، الوحيد الذي يهمني هو أين ؟ ، وهو ما أنا هنا من أجله ، أكثر شيء ملح أريد أن أخبركم عنه أولا أني أمقت الرياضيات للدرجة التي وددت لو قتلت فيثاغورس وشال وطاليس وكل أولئك الفضوليين التعيسين قبل أن يكتشفوا أي شيء ."
كانت كأي صباح تستيقظ قبلي لتملأ البيت بالنشاط ، ترتب الأشياء التي بعثرها الليل الحالم ، تعيد ناموس حياتها اليومي ، تضفي لمساتها الساحرة على كل الأشياء ، تكفي لمستها ليعم النظام والترتيب كل شيء ، لقد أصبحت أحفظ خطواتها رغم سوء حفظي في كل شيء :
ـ  تنهض بهدوء لكني أستيقظ مباشرة ،
ـ تلملم الأشياء المتناثرة في الغرفة ،
ـ توقظ الولد ، وتعد حمامه ،
ـ تدخل المطبخ وتعد وجبة الفطور ،
ـ هنا توقظني ـ أنا بالفعل مستيقظ لكني أحب أن أكون جزءا من نظامها الصباحي ـ ،
ـ تعد أشيائي وأحيانا تتجسس على أغراضي التي أضعها في جيب "دراعتي" ، يقتلني تجسسها لكني أحسبه جزء من دكتاتورية النظام ، ربما دكتاتورية الغيرة ، أو حماقاتها ، لكنها تتحايل كل مرة لتلعب دور المظلوم حين أكشف تجسسها ، لست أدري لماذا أنا سريع الاقتناع حين تجادلني ، ربما لأني في أمور البيت والتعامل مع زوجتي أقع في الصفوف الأخيرة من تصنيف الهواة .
عدت مسرعا من الحمام ، خوف أن تفهم الرسائل الموجودة في جيب دراعتي ، لاشك أنها لن تقتنع بأي عذر إن اكتشفت كل شيء قبلي .

إنها خمس رسائل وجدتها في صندوق البريد ، لم تصلني رسالة في صندوق البريد منذ استلامه ، كنت مملوءا بالفضول ماذا عسا ها تكون ؟
خمس رسائل دفعة واحدة ، أي شخص صرت مهما أنا الآن ؟؟
في مبنى الصحيفة التي أعمل فيها لا يهتم بأمري أحد ، يصفني بعضهم بالفاشل ، ربما هي عقدة الفشل التي تعاني منها الصحيفة بمن فيها ، هي اقل الصحف مبيعات لأنها تهتم بفلسفة ابن خلدون ، وبالنقد الأدبي ، ولها نسخة علمية ، تصدر 1000 نسخة شهريا ، لكن الخرفان هي أكثر من يستفيد منها ، كثيرا ما أرى أعدادها ـ التي تناقش الموروث الحضاري لشعوب التبت ، والبلقان ، و الأتراك ، أو موروث إخوان الصفا في الفلك وأخطائهم المنهجية ، ـ تستخدم كأوعية للبسكويت المصنع في البيوت ، أو للكباب ، هذا إذا لم يتسلى بها قطعان الماعز المنتشرة في الشوارع .
حتى صندوق الصحيفة كانت تصله أحيانا رسالة ـ على استحياء ـ من إحدى الرابطات الأدبية التي لايتجاوز منتسبوها 10 أشخاص ، غير أنها تملأ كل مكان صياحا بالأيام الترفيهية ، والأسابيع التربوية ، والأشهر التفكيرية ، تصل تلك الرسالة أحيانا لتوجه شكرا ودعوة لأسبوع تفكيري ، "
الطيور على أشكالها تقع "
بدأ الجميع ينظر إلي في حسد وفضول ، كانت نظراتهم توحي تخترقني وكأنها تستعجل مضمون الرسائل ، لذالك أجلت النظر فيها ، ثم نسيتها ، عند خروجي من الحمام مسرعا وجدت سيدة النظام تخرج رسائلي ، بدأت أحاول السيطرة على انطباعي خوف الظن ،
ـ انتظري ..... ليس الأمر كما تظنين ، هذه رسائل وصلتني في البريد بالأمس ، ولم أنظر فيها ، سأفتحها أمامك إن أدرت ، وألقيت نظرة على العناوين الموجودة على الأغلفة ، لكنها لم تكن سوى أرقاما ، تناولت المغلف رقم
1 :
ـ " أنت الآن على وشك أن تعيش إحدى أكثر لحظاتك إثارة وخطورة في حياتك ،
أمامك ، أربع خيارات ، وأربع أغلفة ، كل واحد من هذه الأغلفة يحوي هاتفا جوالا ،
لكن في أحد هذه الهواتف توجد قنبلة تبدأ العد مباشرة بعد فتح هذا المغلف ، هذه القنبلة يتم تعطيلها على أربع مراحل ، يتم تعطيلها بفتح الأغلفة بالتتالي المبرمج لتعطيل العداد ستبدأ الهواتف بالرج بمجرد بقاء دقيقتين ، بقيت أمامك 4 دقائق و45 ثانية ،،، 44 ،،، 43 ،،،42 ، ـ لنرجع الآن ـ ، القنبلة شديدة الانفجار تحدث انفجارا بقطر كيلومتر ،
أما الخيارات الأربع التي أمامك فهي :
1ـ أن لا تصدق ، لن تخسر شيئا حالا ، بعد 4 دقائق و 32 ثانية ،،، 31 ،،،، 30 ،
ستكتشف أنك اخترت الاختيار الخطأ .

2
ـ أن تصدق وتحاول الهرب ، سيكون حينها أمامك 4 دقائق و24 ثانية ،، 23 ،، 22 ، لكن في الثانية 0 ستكون قد تجاوزت 932 متر كأقصى تقدير إن تعاملت ببطولة مع الموقف وحاولت إنقاذ طفلك وزوجتك بأخذهم معك .

3
ـ أن تحاول المثالية وتبلغ الشرطة ، وحينها لا تنسى أنك تعيش في نواكشوط وأقرب خبير متفجرات يستطيع التعامل مع الموقف يبعد عنكم 3000 كلم ، هذا إن أجاب صاحب الشرطة ، أنت الآن تضيع الوقت أيها الجبان ،،، أمامك 4 دقائق و0 ،،

4
ـ أن تواصل اللعب ، حينها معك فقط 3 دقائق و 58 ثانية ،،،57 ،،، 56 ،،،
يبدو أنك اخترت الخيار الصعب يا بطل ، الآن أريد أن أقوم بمصالحة بسيطة بينك والرياضيات لأنها الوحيد الذي سينقذ حياتك وحياة المئات الآن ـ إياك أن تتجاوز خطوة واحدة ـ ، بعملية سريعة أحسب مجموع الأرقام المتبقية : .......

هل يذكرك رقم 7 بشيء ؟ ،
" ـ تناولت الطرد الثاني بسرعة وقمت بفتحه ، فعلا كان هناك هاتف جوال من النوع العادي جدا ، وورقة أخرى ... "
" ، أنت تقوم بعمل رائع ، ما هو رأيك الآن ؟
قم بضرب المجموع في 7 ، أنت الآن في موقف صعب جدا ، عليك أن تحس بذالك ، دعني أذكرك بالوقت الباقي لك ، 3 دقائق 28 ثواني ،،، 27 ،،، 26 ، قم بنزع الرقم 3 ، ماهو حاصل جذر الحاصل ؟؟ انزع 4 أنت ،،،، أنتظرك في المغلف التالي .............
ـ بسرعة تناولت المغلف 5 ، ـ في هذه الأثناء كانت زوجتي تنظر ببلاهة إلى ما يحدث ، كانت نظرة اللامبالاة عليها تقتلني ، بدأ العرق يزداد ، وأناملي بدأت ترتجف ،

أحسست أني لا أستطيع مواصلة التفكير ، كان الصوت الوحيد لتفكيري : " ـ يمكن أن يكون هذا المجنون لا يعني ما يقول ، إنما يريد التسلية ، لكن كيف يتسلى وهو لا يراني
الآن ؟؟ ما أدراه أني تعاملت أساسا مع هذه الأشياء التي أرسل لي ؟ لماذا يتكلف قنبلة بهذه القوة ، ؟
ـ هل يوجد في هذا العالم مجنون سيتكلف ما يقارب عشرين مليون أوقية من أجل خمس دقائق من المرح الذي لن يراه ؟
ـ مادام يعرف كل هذه الأشياء فلا شك أنه يراقبني الآن ،،،
ـ يراقبني الآن ؟؟! أي وقح هذا ؟! يراقبني في غرفة النوم ،؟؟!
ـ ماذا يريد من صحفي تعيس وفاشل ؟؟ يعمل في صحيفة فاشلة وتعيسة ؟؟ !
ـ لكن ماذا يريد من هذا الحي البسيط ، إن كان صادقا أن قطر الانفجار كيلومتر ، ؟
ـ لم يتحدث هذا اللعين عن التفاصيل ،، ربما كانت مشعة ،، لا ، لا يوجد إشعاع إلا في خيالي أنا .
لكن مادام مجنونا فأظن أن من العبث تخمين ما يريد ، من العبث أيضا العبث معه يريد ، لكن الخطير جدا العبث بما يريد . "

ـ بدأت الهواتف حينها بالرج ، لأرمي كل شيء في ذعر ، هنا فعلا بدأت أحس بذعر زوجتي لقد تخلت عن بلاهتها لكنها لم تفعلها إلا بعد أن أربكتني كثيرا ، لكن ذعرها أربكني أكثر ـ عدت الآن للعبة ـ .

ـ في المغلف رقم 5 وجدت ورقة وهاتفا ،،، هاتف مرصع بجواهر ، لست متأكدا من طبيعتها لكنها أعادتني للتفكير مجددا أن هذا المجنون قد يغامر بكل شيء من أجل 5 دقائق من المرح ، ليس عندي الآن أدنى شك أن هذا الوقح يعيش في غرفة نومي بكاميرا مزروعة أو ربما كاميرات موزعة ، لكن الذي يقتلني هو ما المضحك فيما يفعل هذا المسخ اللعين .


(((()))))

الجزء 2 :

" زوجتي تعمل معلمة في أحد المدارس الابتدائية ، وناقمة على كل شيء في الدولة ، ناقمة على الأحياء الفوضوية التي لم أتمكن بعد من إخراجها من أحدهم إلى حي أكثر نظاما ، ناقمة على الشوارع السيئة ـ ولا أدري لما تهتم بها فهي أولا وأخيرا لا تملك سيارة مثلي تماما ـ ، ناقمة على قطاع الشرطة دون استثناء ، على قطاع التعليم ، على قطاع الصحة ، في أوقات الخلوة تصيبني بالتثاؤب كثيرا حين تحول أغلب مشاريعي ومواضيعي إلى موضوع واحد يشغلها :

ـ متى سيجيبني شرطي بتهجم ويرفع شكوى ضدي حين أقوم برشوته بـ 200 أوقية ؟؟
ـ متى ستهتم الحكومة بالتعليم الأساسي الذي ـ بكل المعايير ووفق كل الدراسات التربوية ـ هو الأهم من كل مراحل التعليم ، ؟؟! ثم أشعر بحشرجة في صوتها توحي بتأثر شديد ، ثم تسيطر على دموعها ، الآن أعرف أنها تتذكر مآسيها التي تؤلمني فقط لأنها تؤلمها .

منذ 7 سنوات أكتشف أنها مصابة بورم الرحم ، وإلى أن أكتشف الدكاترة ذالك كان قد مرعلى الورم 3 سنوات ـ أو هكذا قال الدكتور ـ .

خاطبني الدكتورـ حينها ـ :
ـ هي محظوظة أننا ـ أخيرا ـ اكتشفنا حقيقة الورم لأن الطب يبعد كثيرا احتمال أن تصاب به من لم تصل سن 35 ، لكنه نصحني أن حياتها ستكون في خطر أن أقيمت العملية داخل الوطن، أقترح علي أن أسافر بها إلى أي مكان خارج الحدود ، حينها قمت باستنفاذ كل طاقاتي وما أملك كي أسافر بها خارج الوطن ،،، أنا الآن أحس أن كل شيء كان ممتعا حتى وأنا أتمايل نعاسا على الكرسي جنبها ، أكثر من أي وقت آخر أحسست بقيمتها وكل ما تذكرت تلك الأوقات أحسست أن من المستحيل أن أعيش دونها ،،،
لكنني الآن لا أدري ماذا ينتظرني ، وينتظرها ، وينتظر كل أحد على بعد كيلومتر من هنا على يد هذا المجنون . "


ـ في الورقة ـ


ـ لنوسع مجالات اللعب أيها المحترف ، أمامك 3 دقائق و17 ثانية ،،، 16 ،،، 15
في أحد المغلفين الباقيين توجد قنبلة فتاكة ، قد لا تصدقني حين أقول لك أنها القنبلة الوحيدة من نوعها في موريتانيا ، أنت الآن بحوزتك قنبلة بقيمة 100 مليون أوقية عمرها 3 دقائق و7ثوان ،،، 6 ،،، 5 .
كم أشفق عليك ، أنت من ألئك التعساء الذين لا يجدون أي فرصة للثراء إلا على بعد لحظات من الموت ، أنظر مثلا ، أنا الآن أمرح بحياتك و بحياة كل ألئك الفقراء الذين يعيشون في حيك أنا الآن أراقبك ،،، تأكد أني أضحك الآن ، هل أنت حنق ؟؟ ! فلتكن كذالك ، مهما فعلت لن تكون سوى لاعبا يمشي وفق خططي .
أظن أنك الآن مدين لي بتوضيح :
عندي جهاز تحكم عن بعد يتحكم بالقنبلة ، لكن ، صدق أو لا تصدق ، لقد أبعدت هذا الجهاز بعيدا حتى أكون عادلا معك في اللعبة ، وحتى أكون عادلا معك أيضا سأتركك تتابع ، الآن أمامك 2 دقيقة و30 ثانية ،،، 29 ،،، 28 ،،، :
لكن قبل كل شيء أنتهز الفرصة لأبدي إعجابا لا محدودا بك ـ طبعا إن كنت الآن تتابع ما أكتب بتركيز ـ ففي برامج المسابقات التي لا تتعلق إلا ببعض الكسب المادي السهل ألاحظ قمة التوتر على محيا ، وفي تصرفات المتسابق حين تبدأ تلك الموسيقى المزعجة التي أعدت بإتقان ـ فقط ـ لتشعر سامعها بأقصى قدر ممكن من التوتر ، أما أنت ، فها أنت أمام إحدى أقسى لحظاتك في مسابقة غريمك فيها هو الموت ، ليس لك فقط بل لزوجتك و ابنك وكل البسطاء في حيك ، أنا ـ فعلا ـ أضعك الآن في موقف حرج لكني أعترف أنك بطل وتستحق أكثر من أن تعمل في تلك الصحيفة الغبية ، التي رغم كل إدعاءاتها للثقافة لم تحاول يوما أن القيام بخطة لزيادة قرائها .
لقد تعمدت أن أذكرك برامج الكسب المادي التي تبدأ بتصعيد الأسئلة كلما تقدم الوقت وزاد الحساب ، سأقوم الآن بتوسيع العمليات الحسابية ، الفرق فقط أنك لن تكسب أكثر من حياتك ، ولن أحاول الضغط عليك لتغيير إجاباتك ، لكن سأغير الطريقة ، في السابق كنت تقوم بعمليات حسابية لتحصل بكل سهولة على رقم المغلف ، لكنك الآن لديك مغلفان فقط ، معركتك الآن مع الدقة ، لكي تنجو عليك أن تكون دقيقا في حسابك للوقت لأن الدقة هي من يمكنه الآن إنقاذك :
أخبرك الآن أن الناتج الأخير من كل العمليات التي سأطرح لك هو 0 ، ركز معي جيدا إذا ،،
ستقوم بالعمليات بسرعة وستقوم بضبط التوقيت عندك ، ستكون في عداد الأموات طبعا إن لم تكن بصحبتك ساعة الآن ، ستبدأ العد التنازلي ـ الآن كن جاهزا وأضبط الجهاز مع الإشارة ـ :
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، ،،،،،،،،،،،،،،،، أنتظرك ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، ،،،،،،،،،، ابدأ الآن
مازال أمامك 1 دقيقة و44 ثانية ،،، 43 ،،، 42 ،،، حين تكمل العملية وبمجرد أن تحصل من عملياتك على 0 أوقف جهاز حساب الوقت ،، سيكون على حاسب الوقت 4 أو 3 ، أي أنه بقي 4 أو 3 ثواني ، إن كنت تعاملت بدقة مع الموقف فأفتح الظرف ذا الرقم الذي يشير إليه عداد الزمن وستنجو :

سأذكرك الآن ببعض التواريخ

99 :
سنة ميلاد ابنك
78 :
سنة ميلاد زوجتك
73 :
سنة ميلادك
أي أن :
10 :
عمر ابنك
31 :
عمر زوجتك
36 :
عمرك

99
ـ 10 = أ
78
ـ 31 = ب
73
ـ 36 = ج
99
ـ 73 = د
78
ـ 31 = هـ
36
ـ 10 = و

الآن قم بالعمليات التالية :
أ + ج ـ ب = ز
د ـ هـ ـ و = ح

قم بأي عملية تراها بين (ز) و (ح) لتحصل على 0 وأوقف التوقيت بمجرد الحصول عليه ،،، سأتصل بك إن كنت ناجيا ، وأسكون حزينا إن كنت ميتا فأنت من القلائل الذين تسببت لموتهم وأنا راغب في حياتهم .
" .............. دهشت ، وبدأ قلبي يتسارع باحثا عن منفذ للخروج من جسمي ، حاولت أن أعيد النظر لأتأكد ،، لكني كنت متأكدا : لقد كان العداد ـ حين افترضت أنه حان وقت الحصول على 0 ـ يشير إلى 2 ثانية ....لقد أفترضت ، أو تأكدت فعلا أني حصلت على 0 ،، لكن ليس مقابل أي رقم من اللذين حصلت عليهم ،
ـ هل هي مسابقة مع الزمن ، فيكون الغلاف 4 هو الأول ؟؟
ـ أم هي مغالطات من مجنون فيكون الغلاف 3 ؟ .. "

(((())))


الجزء 3 :

" ذات يوم ، في مكان ما ، حين كنت أترنح في أزمنة من الفراغ وكان الملل يتمدد في الواقع المحيط بي كما يتمدد الزئبق ساعات الغيظ ، لاحظت صفحات من كتاب تعبث بها الرياح فتبعتها معتقدا فيها مخلصي من الملل على هذه الأرض الموحشة أواخر الصيف ، لكني فوجئت بكتاب لم أفهم منه حينها أي شيء ، كان يزيدني مللا لكني كنت متشبثا به ، فقد كان يهدي إلي لحظات قيلولة يرغمني عليها ملله ـ هو الآخر ـ ، أما عنوان الكتاب فكان " أحلام آنيشتاين " ، كنت أرى في آنشتاين ذالك المترف الذي يحاول جاهدا تعقيد حياتنا بفلسفاته وآراءه ، كنت أتثاقل مع أحد مجنوني آنيشتاين المغرمين بنظرياته والمحاولين فهم ترفه الذهني ، حين كان يتقمص
دور الفاهم لكل شيء ، فيبدأ بإقناعي :
ـ كل شيء ثابت لو قارنته بالزمن فالزمن هو وحدة الأشياء وهو الأصل في كل شيء و إن أحكم ما جاد به العقل البشري هو نظرية النسبية ،
أقاطعه :
ـ لا شك في ذالك ، هذا طبعا إذا انطلقنا من أن العقل البشري نسبي والحكمة ليست ثابتة حتى لو قارنتها بالزمن ، حينها طبعا من الأكيد أنك ـ أنت ـ لا تعرف وحدة الأشياء ولا تعرف أصلها ، يواصل :
ـ بفضل نظريات آنيشتاين ، يمكن للإنسان قريبا أن يطل على المستقبل أو يتلاعب بالماضي ،وبالتالي يتحكم في الحاضر

أقاطعه :
ـ ليس هناك من لا يشمئز من الحاضر ، لأنه عانى في الماضي ، ويخاف من المستقبل ، فأين سيبدأ إذا ؟ !

حينها ينظر إلي بإشفاق ، كمن يرى أني لا أستحق التعب في تلك الحكمة التي يبسطها بطريقته عن آنيشتاين .
أما تلك القطعة من الكتاب فلم تكن عندي سوى محفز للنوم ساعات القيلولة كنت أتناول صفحة منها ، فقرة ، فقرتين ، وأستيقظ على عتاب الجد وهو يلومني على تأخري عن صلاة العصر في المسجد .
الآن أذكر الكثير من تلك الفقرات ، ليس تذكرها فقط ، يبدو أني أيضا أصبحت من مجانين آنيشتاين وبدأت حكمة مزيفة تعكس الضرورة الملحة لتفسير الأشياء التي مررت بها ، وطبعا سيتحمل آنيشتاين مسؤولية كل الأخطاء الشنيعة في تفسيراتي لثلاثة أسباب :
أولا : ـ أني أعترف الآن أني من مجانين آنيشتاين ـ فقط ـ لأني ارغب في تفسير لما حدث
الثاني : ـ كل شيء ثابت فعلا لو قارنته بالزمن ، فالزمن هو وحدة الأشياء ، وهو الأصل في كل شيء ، وإن أحكم ما جاد به العقل البشري هو نظرية النسبية . ؟! "
الثالث : ـ بفضل نظريات آنيشتاين ، يمكن للإنسان قريبا أن يطل على المستقبل أو يتلاعب بالماضي ، وبالتالي يتحكم في الحاضر



بقيت ثانيتين


"
دهشت ، وبدأ قلبي يتسارع باحثا عن منفذ للخروج من جسمي ، حاولت أن أعيد النظر لأتأكد ،، لكني كنت متأكدا : لقد كان العداد ـ حين افترضت أنه حان وقت الحصول على0 ـ يشير إلى 2 ثانية ....لقد أفترضت ، أو تأكدت فعلا أني حصلت على 0 ،، لكن ليس مقابل أي رقم من اللذين حصلت عليهم ،

ـ هل هي مسابقة مع الزمن ، فيكون الغلاف 4 هو الأول ؟؟
ـ أم هي مغالطات من مجنون فيكون الغلاف 3 ؟ .. "

أحسست بدوامات تجتاحني بسرعة فائقة ، أحسست باهتزاز كل شيء حولي
ثم بدأ الإدراك باللحظة يتناقص ، كل شيء صار مظلما وبدأت كوابيس بأبعاد أخرى تتسلل وتفصلني عن الواقع .

"
الآن أرى طفلا يرتدي سروالا قصيرا ، متسخ الساقين ، يلاعب فتية في الشارع مساءا ،
يطول المساء عليه وهو يترنح في تلك الشوارع ، ينتظر الساعة السابعة التي تعني بالنسبة له الانتقال عبر التلفزيون لعالم أكثر مرحا ، هو عالم " شارل كهولمز " ـ الكلب الذكي ـ صديق ـ
القط البدين ـ " دكتور واطسون " عدو ـ الكلب الشرير ـ " موريارتي " غريم ـ الكلب الغبي ـ "
ليستريد " .كانت رياح المساء الباردة التي تأتي من المحيط تجتاحه بعنجهية ، كان الطفل بملابس رقيقة وضئيلة جدا فأصيب بربو مزمن ، لكنه يختزل ثلثين من العالم في ثلث ساعة بعد السابعة ، هذا كان عالمه ، يطول المساء عليه قبل السابعة ، لكنه يطول أكثر حين يكتمل شحن البطارية التي تعبأ أسبوعيا .

على جانب آخر هناك رجل ملثم يبيع علب اللبن المعروفة بـ " الشكيوة " بملابس رمادية ،يجول طوال اليوم بين الدكاكين على رجليه ، ويأخذ قيلولة نحوية مع أحد الشيوخ النحويين الذين أطهدتهم الحياة بطريقة ما ، يملك دكانا غنيا بالعناكب ، تبدأ جلستهما مع نوادر النحو واللغة آخذين أمثلة من نوادر الشعر ، والأكثر غرابة في أسلوبهما طريقة الضحك المشتركة ، حيث لا تميز أن أحدهما يضحك إلا إذا عمقت النظر في عضلات البطن ، ثم يكمل الطريق بعد صلاة العصر ليمر على بقية الدكاكين ، بعد صلاة المغرب يبدأ مشوار العودة للبيت .

يظهر الفتى بعد اكتمال الثلث ساعة المنشود ويبدأ بالتطلع باتجاه الطريق الرئيسي كمن ينشد ضالة ، يرى الرجل الملثم بائع العلب يقترب ، هنا يهرول الطفل باتجاهه ، يبدأ بالابتسام ثم يجهز بعض الحلوى أحضره لهذا الموقف الذي يتكرر كل يوم .
يتشابكان راجعان إلى البيت ، إني أحس الآن بحرقة يحسها الرجل ، أحس بعطشه ، أستغرب لماذا مازال متمسكا بلثامه الذي أحس معه باختناق شديد لأن صورته بدأت تقترب كثيرا بدأ كل شيء يحيط به يخنقني ، هنا تقترب السيدة رويدا وهي تحمل قدح " الزريك " البارد ، لكنها تتعثر قريبا منه فيسقط كل شيء على وجهه ، "

شهقت بشدة فيما يشبه وقت العودة ووجهي مبلل بكامله ، أعدت النظر في الساعة فوجدت ثانية واحدة باقية ألتفتت ووجدت زوجتي تناولت أحد المغلفين لست أدري أيهما لكني بهستيرية تناولت الآخر وقمت بفتحه مباشرة ، نظرت بسرعة فوجدته المغلف 3 ، نظرت إلى يميني فوجدت أن زوجتي فتحت الآخر ، انتهى الوقت ولم يحدث شيء ،

أينا فتح مغلفه أولا ؟!

أنا الآن لا أصدق أن هناك قنبلة ، حتى إنها لا تهمني بأي شكل من الأشكال الآن ، الذي يرعبني ولم استطع قوله لأحد ، حتى زوجتي لم أخبرها ، الذي يرعبني حقا أني تجولت في يوم صائف طويل ، استشعرت طوله بكل دقيقة فيه ، شعرت ببرودة الرياح مساءا وبعفونة الجو قيلولة وأنا بصحبة ألئك الشيخين ، في ثانية واحدة ،
ألم أقل لكم أني أفضل أن أكون مجنونا من مجانين آنيشتاين على أن أكون مجنونا صريحا ، ألا تعرفون أن :
ـ كل شيء ثابت فعلا لو قارنته بالزمن ، فالزمن هو وحدة الأشياء ، وهو الأصل في
كل شيء ، وإن أحكم ما جاد به العقل البشري هو نظرية النسبية . ؟! "
ـ أششششش لا أريد مقاطعة ، أنا هو مخترع تلك النقاشات الثقيلة ، لا يمكن أن أقبلها سلاحا ضدي ، سأكمل :
ـ بفضل نظريات آنيشتاين ، يمكن للإنسان قريبا أن يطل على المستقبل أو يتلاعب
بالماضي ، وبالتالي يتحكم في الحاضر

"
حتى القدح البارد الذي تدفق أحسسته بالكامل على وجهي ، أخبرتني زوجتي أنها من صب الماء علي لأستفيق ،
لكني لا اصدق شيئا من ما قالت ، لقد كان ذالك القدح ، أنا متأكد . "

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عام 2008